بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الثورة العلمية الحديثة والإيمان ...
صفحة 1 من اصل 1
الثورة العلمية الحديثة والإيمان ...
الإيمان حالة نفسية
عاصر الفلكي المشهور ( سيمون لابلاس ) صاحب كتاب ( الأجرام السماوية ) نابليون وكان أول من اشار الى فكرة الثقوب السوداء في الكون حسب إفادة الفيزيائي الكوني ( ستيفن هوكنج ) صاحب الكتاب الشهير ( قصة قصيرة للزمن ) . سأله نابليون يوماً عن النظام السماوي أين مكان الله فيه ؟ كان جوابه إن النظام الكوني يشتغل كساعة عملاقة فلايحتاج لإله يقوم عليه ؟
هذا الضرب من الحوار يروي مأساة العلم والدين . الكون ساعة عملاقة والقوانين تمشي بانتظام أبدي ، والمادة خالدة ، والكون وجد منذ أبد الآبدين وسيبقى هكذا الى آخر الدهر .
ثلاث أسئلة محيرة واجهتني منذ الصغر أولها كانت من ابن عمي لي حينما قال لي أتحداك أنني سأموت خلال الأيام القادمة وكنت يومها مراهقاً ؟ فبدأت أفكر في جواب بدون جدوى ؟؟ وهو فعلاً مازال حياً يرزق حتى اليوم ؟! والسؤال الثاني عندما كنت طالباً ثانوياً فطرح أحد الطلبة الشيوعيين سؤالاً محرجاً على استاذ الديانة أنكم تقولون أن العمر محتم ولكن العلم استطاع أن يرفع متوسط عمر الانسان فما جواب الدين عليه ؟ حاول استاذ الديانة أن يرد ولكنه في الواقع كان يحاول إسكات الطالب أكثر من تقديم جواباً مقنعاً ؟!
والسؤال الثالث كان في الصف الأول الجامعي حينما سألني أحدهم هل يستطيع ربك أن يخلق حجراً لايستطيع حمله ؟ إن أجبت بنعم أو لا كان الهاً عاجزاً ؟!
حتى وصلت الى إجابات واضحة في مستويات الاسئلة الثلاث كان علي أن اسبر ثقافة جديدة وطرق من الفكر غير تقليدية . وهكذا كانت الأجوبة تتعلق بموت معلق على رؤوسنا لايستطيع أحد أن يحدد موعده ، علمه عند ربي لايجليه لوقته الا هو ، والعلم رفع متوسط العمر الاجتماعي وليس الفردي وحظوظ الانسان من عمر وعمل وصحة وتعليم مرتبطة بالمجتمع الذي يولد فيه الانسان أكثر من جهده الفردي فقد يعمر شخص في راوندا أكثر من اليابان كما قد يغنى شخص في مصر أكثر من ألمانيا ، ولكن الانسان الذي يولد في أفغانستان عليه أن يعاني الحرب الأهلية ، ومن يولد في البلاد العربية قد يحمل حقائبه يوماً مغادراً وطنه كما فعل فتية الكهف ، ومن يولد في الجزائر قد يضرب بالرصاص في أي لحظة من مسلح مجهول .
كما أن طرح الاسئلة الخاطئة يتطلب تصحيح صيغة السؤال قبل الإجابة عليها .
يروى عن فيلسوف أنه كان يمشي مع تلاميذه ثم غافلهم فأحضر حجراً معرضاً للشمس فقلبه فأصبح أعلاه بارداً وأسفله ساخناً ثم سأل التلاميذ كيف تعللون برودة سطح الحجر وسخونة قاعه أمام شمس مسلطة عليه ؟؟ احتار التلاميذ في الإجابة فلفت نظرهم الى عدم الإجابة على سؤال خاطيء بل بتصحيح طرح السؤال لذا كان السؤال الصحيح نصف إجابة ؟
في الواقع تمتعت بقراءة كتابة الدكتور الفاضل ( هاني رزق ) عن ( التطور الموجه) فشعرت أنني في عالم رحب من الفكر في بناء متماسك ، ودقة علمية مفرطة ، ومعلومات كثيفة حديثة من آخر ماأنتجته مطابخ الفكر ومراكز البحث العلمي . وأنا معه في كل الخطوط العريضة التي وصل إليها . الخالق المطلق والبرمجة الهادفة والجمال المسيطر والمبدأ الانساني والقيم الأخلاقية والحق في بناء الكون فلا عبثية.
مع هذا فعندي ثلاث ملاحظات حول ماكتب الدكتور الفاضل الأول في ماسماه بالعلم السيء ، والثاني في انهيار قوانين الفيزياء في حقبة الانفجار العظيم ، والثالث عن الإيمان العقلي .
ولكن قبل أن أبدأ بالأفكار الثلاثة يجب أن أقرر قضيتين أراهما على جانب كبير من الأهمية : الأولى عن محاولة تشريح الإيمان والعلم ، والثاني عن نقاط تقاطع الثقافات والأديان .
في الحوار الصاخب الذي تم بين الشيخ ( أحمد ديدات ) من جنوب أفريقيا والقس ( جيمس سواكرت ) في امريكا كان يحرص كل منهما على إثبات أن دين الآخر مزيف ؟؟ فأما سواكرت فقد بدأ الحفلة بهجومه على نظام تعدد الزوجات بأن المسيحي صياد ماهر فيحسن اختياره من أول الصيد محولاً بذلك المرأة الى فريسة تطارد لصائد بسهم وقوس في عودة الى عشرة آلاف سنة الى الخلف ، لينهي القس المذكور سمعته بعد سنوات مع فضيحة أخلاقية نشرتها مجلة الشبيجل الألمانية ، أما الشيخ ديدات فقد أقسم في المناظرة أنه سيدفع من جيبه كذا من الدولارات إن استطاع سواكرت أن يقرأ نصاً على وجه التحديد من التوراة ؟! ماكان من سواكرت الا أن تقدم وهو يقول أنتم ياأهل الخليج ومن تبعكم حري بنا أن نستفيد من بترودولاركم وتقدم فقرأ النص الذي تفوح منه رائحة جنسية ، وعندما طلب سواكرت من ديدات أن يسمح له أن يحاضر بحرية في بلد اسلامي متشدد كما سمح له بمطلق الحديث في أمريكا كان جواب ديدات عليه كل شيء الا الجواب ، فقال : كل بلد له فيزا دخول والبلد الذي سألت تأشيرة الدخول اليه هي الشهادتان فيجب أن تعلن اسلامك أولاً ثم تدخل ؟! قد يصلح الجواب كنكتة ولكنها في موضع الجد لاتثير سوى الكآبة .
كان الرجلان في سجال مايقرب من حفلات المصارعة الحرة في إثارة مواضيع قديمة بكلمات جديدة لاتنتهي الا حلول بل إلغاء كل حل ، في اشتباكات تزيد من تعقيد إشكاليات المواضيع القديمة ، ولم تأت الأديان بحال لهذا النوع من المناظرات ، ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم .
تقدم الفقهاء الى يسوع المسيح ومعهم زانية يدفعونها أمامهم وهو يشرح أفكاره لتلاميذ متحلقين حوله بخطوط يخطها على الأرض صرخوا باعلى صوتهم : يامعلم هذه زانية فتقدم فارجمها ؟ كانوا خبثاء يريدون إيقاعه في أمرين أحلاهما مر ؟ فإن قال بالرجم سقط في مصيدة مخالفة القوانين الرومانية بالتحريض على القتل ؟ وإن امتنع خالف الشريعة الموسوية فكان هرطيقاً ؟! تابع يسوع يخط على الأرض ثم التفت اليهم ببراءة ونطق بجملة من أجمل مانقله لنا التاريخ وأكثرها افحاما للخصم ؟ عندما زحزح موضع النقاش الى حقل مختلف ... من كان منكم بلا خطيئة فليتقدم فليرمها بحجر ؟! فانقشع عنه جمهور الفقهاء .. فالتفت الى الفتاة التي كان قدرها أن تعيش في مجتمع بلاضمانات ، لاتجد طريقة للعيش الا بالتكسب بجسمها : اذهبي فلاتخطئي ثانية ... إن القرآن يلتقي مع الانجيل كما لم لم يفعل سواجرت وديدات عندما اختصما ؛ فالقرآن اعتبر أن من يكره الفتيات على البغاء ذنبها مغفور وعقاب من يدفعها الى الفاحشة غير مغفور ( ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) .
عندما أقسم القرآن بأربع بالتين والزيتون والطور والكعبة لم يخطر في بالنا معنى الإشارة الى شجرة التين ولكننا نعلم أن الإشارات الأخرى واضحة الدلالة على منابع ثلاث ديانات ولم يخطر في بالنا التجلي الروحي لبوذا تحت شجرة التين تحديداً .
ماهو الإيمان ؟ ماهو العلم ؟ وهل يمكن المزج بينهما ؟ لابد إذاً من تعريف كلهما وإن كان القرآن ذكر هذا المزيج مكرراً في موضعين : الأول عن قوة رفع الانسان في هذا المستحضر الجديد من مزيج العلم والإيمان ، والثاني عن إدراك هذه الطائفة التي تتحلى بالميزتين بهذا اليقين الراسخ لفكرة اليوم الآخر والبعث والنشور ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ـ وقال الذين أوتوا العلم الإيمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لاتعلمون ) .
أعجبني تعريف الدكتور ( محمد كامل حسين ) في كتابه ( وحدة المعرفة ) لفكرة تطابق النظام العقلي والكوني سنحاول الاعتماد عليها كفكرة تأسيسة : ( في الكون نظام وفي العقل نظام والمعرفة هي مطابقة النظامين . والنظامان من معدن واحد ، والمطابقة بينهما ممكنة لما فيهما من تشابه ، ولو لم يكونا متشابهين لاستحالت المعرفة ، ولولم تكن المطابقة بينهما ممكنة ماعلم أحد شيئاً ، وتشابه النظامين الكوني والعقلي ليس فرضاً يحتاج الى برهان بل هو جوهر إمكان المعرفة ، ومن أنكره فقد أنكر المعرفة كلها ، وهذا الإنكار خطأ يدل عليه ماحقق العقل من قدرة على التحكم في كثير من الأمور الطبيعية ، ولم نكن لنستطيع تحقيق شيء من ذلك لو أن النظامين كانا مختلفين ، ومهما تغيرت المعرفة ومذاهب التفكير وفهمنا للكون فإن الحقيقة التي تثبت ثبوتا قطعياً هو هذا التوافق بين نظام الكون ونظام العقل ) .
في الواقع إذا أردنا الدخول الى عالم الإيمان فلابد لنا من معرفة نظرة الكتب المقدسة وتعريفها لهذا المصطلح أما العلم فلابد لنا من معرفة كيف ينظر العلماء عموماً الى هذا المصطلح لتحديده وهل يمكن أن نخرج بعجينة من العينتين الإيمان والعلم ، أو وهو الأفضل هل يمكن كتابة معادلة رياضية كما في علاقة الطاقة بالمادة ، بحيث يمكن تحويل أحد الحدين الى الآخر ؛ فتصبح الطاقة تحولاً كمياً مذهلاً لكم محدود من المادة ، أو بالعكس تصبح المادة تكثفاً خرافياً للطاقة ؟
عندما وصف ( مالك بن نبي ) في كتابه ( وجهة العالم الاسلامي ) أحد المصلحين الاجتماعيين أشار الى أنه : لم يكن يفسر القرآن تفسيرا على طريقة أهل الكلام والمنطق البارد ، بل كان يوحي بالآيات الى الضمائر التي يزلزل كيانها ، فلم يعد القرآن على شفتيه وثيقة باردة أو قانوناً محرراً ، وإنما كان انبثاقاً للكلام الالهي الحي ، ونور يأتي مباشرة من السماء فيضيء ويهدي ، ومنبعاً للطاقة يكهرب إرادة الجموع .
وكان يسوع في الانجيل يخاطب الجموع كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين وكان يكلمهم بأمثال قائلاً هوذا الزارع قد خرج ليزرع فبعضه سقط على الطريق واذ لم يكن له أصل فلما طلعت الشمس احترق ، ومنه وقع على الأرض فاختطفته الطيور ، ومنه وقع بين الشوك فلما طلع اختنق ، ومنه وقع في الأرض الطيبة فأخرج مائة وستين وثلاثين .
كان يسوع يقرب الأفكار المجردة بقصص واقعية تدب فيها الحياة ونحن نريد من بحثنا الحالي أن نسحب منه كل حيوية وحياة فلننتبه ؟!
ماينقص العالم اليوم ليس المزيد من كثافة المعلومات أن الكون رائع ومعقد وغامض ومبرمج وخلفه عقل مطلق ، ماينقصه حرارة الإيمان والتربية الروحية ، ماينقصه ليس العقلانية بل التصوف ، ليس بمعنى اغتيال العقل المنظم عند شيخ طريقة فمن قال لشيخه لا لم يفلح ، والمريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل ، والمريد بين الشيخين كالمرأة بين الرجلين ؟؟ لا ليس هذا ولكنه وثبة جديدة في الروح .... قد تقول من سيقوم بها ؟ كيف ؟ متى ؟ أين ؟ لسؤال أحوم حوله ولكن ليس عندي جواب على وجه الدقة عليه !! ولاحرج ... يسوع المسيح أراد أن يقول للتلاميذ في مثل الزارع الشيطان يخطف القلوب كالطير تأكل الحب ، والمحنة والاضطهاد تذهب بالإيمان السطحي ، ومن يتورط في وهم العالم وغرور الغنى سيختنق في شوك الحياة ، ومن يجد البيئة المناسبة سيعطي ثمراً رائعاً فلنتعلم من حكمة المسيح أين نلقي بذورنا ؟
( ثانياً ) يعتبر الإيمان منبعاً للطاقة لاينضب فمع كل انهيار نفسي يلجأ الانسان الى هذا الحزان الكوني المطيق يملأ طاقته ويشحذ همته لتحمل الصدمات والألم والمعاناة بما فيها صدمة الموت .
كما يشكل الإيمان ( ثالثاً ) آلية تخلع معنى على الحياة وبدون هذا يركبها العبثية التي تقود الى التفاهة والانتحار أحياناً الذي هو بتعبير مختلف تقديم الاستقالة من الحياة فليس فيها مايستحق أن يعيشها الانسان .
والإيمان ( رابعاً ) محبة ومشاركة مع الخالق العظيم وكائناته وهذا يعطي دفعاً هائلاً لتقدير الحياة والتمسك بها والمحافظة عليها والتواصل بها مع الآخرين فتوفر جواً من السعادة لاينضب . إن هذا لرزقنا ماله من نفاد ، وماعندكم ينفد وماعند الله باق .
والإيمان ( خامساً ) يوسع نافذة الرؤيا فيصبح الإيمان باليوم الاخر وملائكته مطاً للشعور الانساني أن الوجود ليس فقط مايصل اليه بحواسه ، وهذا يرفع الشعور الى مستوى القداسة ويجعلنا نفهم الحياة أنها اكبر بكثير مما يتصور الواحد ؛ فيخلع رحابة غير عادية على الوجود وراحة للروح أن هناك قوة مطلقة لانهاية لحكمتها وعدلها ورحمتها اللطيف الخبير لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .
والإيمان ( سادساً ) يزيد وينقص في مؤشر لايعرف التوقف طالما كنا نمارس الحياة وهذا يستنفرنا أن نشحذ هذه الآلية التي يمكن أن تصل الى أقصى درجات التوتر والنقاء أو أن يخالطها لبس فتخسر الأمن فتصبح الحياة معها ضنكا ( الذين آمنوا ولم يلبسوا لإيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) .
والايمان ( سابعاً ) يغير السلوك ويفيض على المشاعر فيكسو تعبيرات الوجه مسحة ملائكية نورانية ( سيماههم في وجوههم من أثر السجود ) أو بالمقابل عندما وصف الله المجرمين الذين يعرفون بسيماههم فيؤخذ أحدهم بالنواصي والأقدام ، كما وصف الأمراض النفسية أنها تنكشف من تعبيرات الوجه المحضة فتقرأ بلغة جديدة بدون صوت بلغة السيمياء ( ولو نشاء لأرينكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ) .
و( ثامناً ) يعد الالحاد حالة لاتطاق والايمان ضرورة نفسية .
و ( تاسعاً ) هناك علاقة جدلية مابين الطقوس والايمان واجتماع الناس وكل دين له طقوس تخصه فيجب أن لايعيب أحد على احد كما تذكر النكتة أن بريطاني أنكر على صيني أن يضع طعاماً على قبر ميت : هل سيقوم فيتناول هذا الطعام ؟ أجاب الصيني بابتسامة هادئة : وهل عندما تضعون أكاليل الورد والزهور يقوم الميت فينتعش بروائحها فهذه مشكلة العمى الثقافي والرؤية الانتقائية .
و ( عاشراً ) يفتح الإيمان منافذ الفهم ، والكفر يسدل الستار على الحواس ويغلق منافذ الفهم والاتصال بروح الكون وقوانين الطبيعة . من هنا استخدم القرآن لفظ الكافر بمعنى الزارع في سورة الحديد ( كثل غيث أعجب الكفَّار نباته ) وليس الكافر تحديداً كما هي في المصطلحات الشرعية .
و( أخيراً ) الإيمان أمل دائم والكفر يأس مقيم والقنوط ضلال مبين فهذه أحد عشر كوكباً من الأفكار .
قد يصلي الانسان ولايصلي والعكس صحيح فلربما كان لايؤدي حركات الصلاة وهو مستغرق بها ؟ فالإيمان ( كم ) مفصول عن الطقوس وحركات العبادة ولكن الدين استهدف ولادة الروح وتطويرها والتسامي بالانسان ، وجاء في الانجيل ذكر الأمرين : المسرة في القلوب والسلام على الأرض ، والسلام هو وسط التفاهم وتحقيق العدل الانساني ليس من خلال الحرب بل الحوار والتفاهم وإيجاد جو جديد لحل التناقضات يقوم على التنازلات من الطرفين وليس تصميم الطرفين على تحطيم كل طرف الآخر .
الإيمان حالة ديناميكية : وهذه طبيعية ومتوقعة لوضع النفس فالعقل هو مثل المحيط العميق تعمل فيه التيارات باستمرار واحياناً يغلي ويزبد وترتفع موجه الى أقصى حالات الغضب أو يهدأ فنظن أن لاعمق فيه . عقلنا تعمل فيه تيارات الأفكار بدون توقف وتفيض علينا الرؤى باستمرار ويقوم الوعي ولفترة قصيرة بتركيز الاهتمام في بؤرة بعينها وهذه هي آليات ( الوعي ـ الارادة ـ الحرية ) والإيمان له مخطط مثل حرق السكر في البدن واضطراب الشوارد وترجرج الحرارة وتباين الضغط في الجسم ؛ فهو يهتز ويتأرجح باستمرار وتكون ذرى المخطط مرتبطة بالحالة النفسية بين الاحباط والأمل بين اليأس والرجاء .
الإيمان يحقق العدل الاجتماعي : ويأتي الإيمان ليعمل في المستوى الاجتماعي بتحرير الفرد من علاقات القوة وبناء مجتمع بدون طبقات فلاسيد وخادم ولايوجد ( هيراركي ـ طبقية ) أقرب الى مجتمع النمل مع وعي انساني ، ولايوجد مستضعفون ومستكبرون ، كما لايوجد آلهة وعبيد ؛ بل مجتمع سواء لايتخذ بعضه بعضأ ارباباً من دون الله ، يلعب المال فيه دور الدم الاجتماعي ، وليس دور أن يحفظ في جيب 258 ملياردير يملكون أكثر من 2.5 مليار من البشر ، في وضع يشبه امهات الدم الخطيرة المحتقنة بالدم منذرة بالنزف الصاعق . مايريده الإيمان تحقيق العدل الاجتماعي في مجتمع السواء وبناء مجتمع انساني مفتوح لاإكراه فيه بأي صورة ؛ لإن الإيمان قناعة داخلية قبل كل شيء ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟ )
عند هذه النقطة لم أفهم تماماً على اخي الدكتور رزق فكرة إرادة الله المتجلية بقوى الوجود الرباعية ( الجاذبية وقوى النواة القوية والضعيفة والكهرطيسية ) ؟
في قناعتي أن الكون يضم المادة والقوانين وهذه ( السنن ) تتعدد في اكثر من مستوى وتمتاز بالثبات والديمومة والشمولية والنوعية ولن تجد لسنة الله تبديلا أو تحويلا ، فتحدد علاقات القوى الأربعة سواء في مستوى الذرة أو المجرة ، ولكن الروح والبيولوجيا والسسيولوجيا تضم القوى الفيزيائية وتتجاوز عتبتها لولوج عالم له قوانينه الذاتية الناظمة وتبقى إرادة الله شيء آخر غير القوى الفيزيائية والقوانين الفلكية أو البيولوجية أو الاجتماعية . أنا أرى إرادة الله شيء آخر مستقل ومتصل بالوجود .
في ربيع عام 1945 سقطت النازية ، وانتهت الحرب في الساحة الأوربية . كان بحث الحلفاء المحموم يدور حول غنائم من الحرب مختلفة : أدمغة العلماء ؟!
لعقل العربي اليوم يمشي منكوساً على رأسه ، بدون ان يحس بالدوار ، لم يتكيف بعد مع العالم الجديد ، لإنه لايعرفه ، فهو لم يشترك في صناعته منذ خمسة قرون ، فيما يشبه قصص السندباد مع ملك الجان الأزرق .
عاصر الفلكي المشهور ( سيمون لابلاس ) صاحب كتاب ( الأجرام السماوية ) نابليون وكان أول من اشار الى فكرة الثقوب السوداء في الكون حسب إفادة الفيزيائي الكوني ( ستيفن هوكنج ) صاحب الكتاب الشهير ( قصة قصيرة للزمن ) . سأله نابليون يوماً عن النظام السماوي أين مكان الله فيه ؟ كان جوابه إن النظام الكوني يشتغل كساعة عملاقة فلايحتاج لإله يقوم عليه ؟
هذا الضرب من الحوار يروي مأساة العلم والدين . الكون ساعة عملاقة والقوانين تمشي بانتظام أبدي ، والمادة خالدة ، والكون وجد منذ أبد الآبدين وسيبقى هكذا الى آخر الدهر .
ثلاث أسئلة محيرة واجهتني منذ الصغر أولها كانت من ابن عمي لي حينما قال لي أتحداك أنني سأموت خلال الأيام القادمة وكنت يومها مراهقاً ؟ فبدأت أفكر في جواب بدون جدوى ؟؟ وهو فعلاً مازال حياً يرزق حتى اليوم ؟! والسؤال الثاني عندما كنت طالباً ثانوياً فطرح أحد الطلبة الشيوعيين سؤالاً محرجاً على استاذ الديانة أنكم تقولون أن العمر محتم ولكن العلم استطاع أن يرفع متوسط عمر الانسان فما جواب الدين عليه ؟ حاول استاذ الديانة أن يرد ولكنه في الواقع كان يحاول إسكات الطالب أكثر من تقديم جواباً مقنعاً ؟!
والسؤال الثالث كان في الصف الأول الجامعي حينما سألني أحدهم هل يستطيع ربك أن يخلق حجراً لايستطيع حمله ؟ إن أجبت بنعم أو لا كان الهاً عاجزاً ؟!
حتى وصلت الى إجابات واضحة في مستويات الاسئلة الثلاث كان علي أن اسبر ثقافة جديدة وطرق من الفكر غير تقليدية . وهكذا كانت الأجوبة تتعلق بموت معلق على رؤوسنا لايستطيع أحد أن يحدد موعده ، علمه عند ربي لايجليه لوقته الا هو ، والعلم رفع متوسط العمر الاجتماعي وليس الفردي وحظوظ الانسان من عمر وعمل وصحة وتعليم مرتبطة بالمجتمع الذي يولد فيه الانسان أكثر من جهده الفردي فقد يعمر شخص في راوندا أكثر من اليابان كما قد يغنى شخص في مصر أكثر من ألمانيا ، ولكن الانسان الذي يولد في أفغانستان عليه أن يعاني الحرب الأهلية ، ومن يولد في البلاد العربية قد يحمل حقائبه يوماً مغادراً وطنه كما فعل فتية الكهف ، ومن يولد في الجزائر قد يضرب بالرصاص في أي لحظة من مسلح مجهول .
كما أن طرح الاسئلة الخاطئة يتطلب تصحيح صيغة السؤال قبل الإجابة عليها .
يروى عن فيلسوف أنه كان يمشي مع تلاميذه ثم غافلهم فأحضر حجراً معرضاً للشمس فقلبه فأصبح أعلاه بارداً وأسفله ساخناً ثم سأل التلاميذ كيف تعللون برودة سطح الحجر وسخونة قاعه أمام شمس مسلطة عليه ؟؟ احتار التلاميذ في الإجابة فلفت نظرهم الى عدم الإجابة على سؤال خاطيء بل بتصحيح طرح السؤال لذا كان السؤال الصحيح نصف إجابة ؟
في الواقع تمتعت بقراءة كتابة الدكتور الفاضل ( هاني رزق ) عن ( التطور الموجه) فشعرت أنني في عالم رحب من الفكر في بناء متماسك ، ودقة علمية مفرطة ، ومعلومات كثيفة حديثة من آخر ماأنتجته مطابخ الفكر ومراكز البحث العلمي . وأنا معه في كل الخطوط العريضة التي وصل إليها . الخالق المطلق والبرمجة الهادفة والجمال المسيطر والمبدأ الانساني والقيم الأخلاقية والحق في بناء الكون فلا عبثية.
مع هذا فعندي ثلاث ملاحظات حول ماكتب الدكتور الفاضل الأول في ماسماه بالعلم السيء ، والثاني في انهيار قوانين الفيزياء في حقبة الانفجار العظيم ، والثالث عن الإيمان العقلي .
ولكن قبل أن أبدأ بالأفكار الثلاثة يجب أن أقرر قضيتين أراهما على جانب كبير من الأهمية : الأولى عن محاولة تشريح الإيمان والعلم ، والثاني عن نقاط تقاطع الثقافات والأديان .
في الحوار الصاخب الذي تم بين الشيخ ( أحمد ديدات ) من جنوب أفريقيا والقس ( جيمس سواكرت ) في امريكا كان يحرص كل منهما على إثبات أن دين الآخر مزيف ؟؟ فأما سواكرت فقد بدأ الحفلة بهجومه على نظام تعدد الزوجات بأن المسيحي صياد ماهر فيحسن اختياره من أول الصيد محولاً بذلك المرأة الى فريسة تطارد لصائد بسهم وقوس في عودة الى عشرة آلاف سنة الى الخلف ، لينهي القس المذكور سمعته بعد سنوات مع فضيحة أخلاقية نشرتها مجلة الشبيجل الألمانية ، أما الشيخ ديدات فقد أقسم في المناظرة أنه سيدفع من جيبه كذا من الدولارات إن استطاع سواكرت أن يقرأ نصاً على وجه التحديد من التوراة ؟! ماكان من سواكرت الا أن تقدم وهو يقول أنتم ياأهل الخليج ومن تبعكم حري بنا أن نستفيد من بترودولاركم وتقدم فقرأ النص الذي تفوح منه رائحة جنسية ، وعندما طلب سواكرت من ديدات أن يسمح له أن يحاضر بحرية في بلد اسلامي متشدد كما سمح له بمطلق الحديث في أمريكا كان جواب ديدات عليه كل شيء الا الجواب ، فقال : كل بلد له فيزا دخول والبلد الذي سألت تأشيرة الدخول اليه هي الشهادتان فيجب أن تعلن اسلامك أولاً ثم تدخل ؟! قد يصلح الجواب كنكتة ولكنها في موضع الجد لاتثير سوى الكآبة .
كان الرجلان في سجال مايقرب من حفلات المصارعة الحرة في إثارة مواضيع قديمة بكلمات جديدة لاتنتهي الا حلول بل إلغاء كل حل ، في اشتباكات تزيد من تعقيد إشكاليات المواضيع القديمة ، ولم تأت الأديان بحال لهذا النوع من المناظرات ، ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم .
تقدم الفقهاء الى يسوع المسيح ومعهم زانية يدفعونها أمامهم وهو يشرح أفكاره لتلاميذ متحلقين حوله بخطوط يخطها على الأرض صرخوا باعلى صوتهم : يامعلم هذه زانية فتقدم فارجمها ؟ كانوا خبثاء يريدون إيقاعه في أمرين أحلاهما مر ؟ فإن قال بالرجم سقط في مصيدة مخالفة القوانين الرومانية بالتحريض على القتل ؟ وإن امتنع خالف الشريعة الموسوية فكان هرطيقاً ؟! تابع يسوع يخط على الأرض ثم التفت اليهم ببراءة ونطق بجملة من أجمل مانقله لنا التاريخ وأكثرها افحاما للخصم ؟ عندما زحزح موضع النقاش الى حقل مختلف ... من كان منكم بلا خطيئة فليتقدم فليرمها بحجر ؟! فانقشع عنه جمهور الفقهاء .. فالتفت الى الفتاة التي كان قدرها أن تعيش في مجتمع بلاضمانات ، لاتجد طريقة للعيش الا بالتكسب بجسمها : اذهبي فلاتخطئي ثانية ... إن القرآن يلتقي مع الانجيل كما لم لم يفعل سواجرت وديدات عندما اختصما ؛ فالقرآن اعتبر أن من يكره الفتيات على البغاء ذنبها مغفور وعقاب من يدفعها الى الفاحشة غير مغفور ( ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) .
عندما أقسم القرآن بأربع بالتين والزيتون والطور والكعبة لم يخطر في بالنا معنى الإشارة الى شجرة التين ولكننا نعلم أن الإشارات الأخرى واضحة الدلالة على منابع ثلاث ديانات ولم يخطر في بالنا التجلي الروحي لبوذا تحت شجرة التين تحديداً .
ماهو الإيمان ؟ ماهو العلم ؟ وهل يمكن المزج بينهما ؟ لابد إذاً من تعريف كلهما وإن كان القرآن ذكر هذا المزيج مكرراً في موضعين : الأول عن قوة رفع الانسان في هذا المستحضر الجديد من مزيج العلم والإيمان ، والثاني عن إدراك هذه الطائفة التي تتحلى بالميزتين بهذا اليقين الراسخ لفكرة اليوم الآخر والبعث والنشور ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ـ وقال الذين أوتوا العلم الإيمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لاتعلمون ) .
أعجبني تعريف الدكتور ( محمد كامل حسين ) في كتابه ( وحدة المعرفة ) لفكرة تطابق النظام العقلي والكوني سنحاول الاعتماد عليها كفكرة تأسيسة : ( في الكون نظام وفي العقل نظام والمعرفة هي مطابقة النظامين . والنظامان من معدن واحد ، والمطابقة بينهما ممكنة لما فيهما من تشابه ، ولو لم يكونا متشابهين لاستحالت المعرفة ، ولولم تكن المطابقة بينهما ممكنة ماعلم أحد شيئاً ، وتشابه النظامين الكوني والعقلي ليس فرضاً يحتاج الى برهان بل هو جوهر إمكان المعرفة ، ومن أنكره فقد أنكر المعرفة كلها ، وهذا الإنكار خطأ يدل عليه ماحقق العقل من قدرة على التحكم في كثير من الأمور الطبيعية ، ولم نكن لنستطيع تحقيق شيء من ذلك لو أن النظامين كانا مختلفين ، ومهما تغيرت المعرفة ومذاهب التفكير وفهمنا للكون فإن الحقيقة التي تثبت ثبوتا قطعياً هو هذا التوافق بين نظام الكون ونظام العقل ) .
في الواقع إذا أردنا الدخول الى عالم الإيمان فلابد لنا من معرفة نظرة الكتب المقدسة وتعريفها لهذا المصطلح أما العلم فلابد لنا من معرفة كيف ينظر العلماء عموماً الى هذا المصطلح لتحديده وهل يمكن أن نخرج بعجينة من العينتين الإيمان والعلم ، أو وهو الأفضل هل يمكن كتابة معادلة رياضية كما في علاقة الطاقة بالمادة ، بحيث يمكن تحويل أحد الحدين الى الآخر ؛ فتصبح الطاقة تحولاً كمياً مذهلاً لكم محدود من المادة ، أو بالعكس تصبح المادة تكثفاً خرافياً للطاقة ؟
عندما وصف ( مالك بن نبي ) في كتابه ( وجهة العالم الاسلامي ) أحد المصلحين الاجتماعيين أشار الى أنه : لم يكن يفسر القرآن تفسيرا على طريقة أهل الكلام والمنطق البارد ، بل كان يوحي بالآيات الى الضمائر التي يزلزل كيانها ، فلم يعد القرآن على شفتيه وثيقة باردة أو قانوناً محرراً ، وإنما كان انبثاقاً للكلام الالهي الحي ، ونور يأتي مباشرة من السماء فيضيء ويهدي ، ومنبعاً للطاقة يكهرب إرادة الجموع .
وكان يسوع في الانجيل يخاطب الجموع كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين وكان يكلمهم بأمثال قائلاً هوذا الزارع قد خرج ليزرع فبعضه سقط على الطريق واذ لم يكن له أصل فلما طلعت الشمس احترق ، ومنه وقع على الأرض فاختطفته الطيور ، ومنه وقع بين الشوك فلما طلع اختنق ، ومنه وقع في الأرض الطيبة فأخرج مائة وستين وثلاثين .
كان يسوع يقرب الأفكار المجردة بقصص واقعية تدب فيها الحياة ونحن نريد من بحثنا الحالي أن نسحب منه كل حيوية وحياة فلننتبه ؟!
ماينقص العالم اليوم ليس المزيد من كثافة المعلومات أن الكون رائع ومعقد وغامض ومبرمج وخلفه عقل مطلق ، ماينقصه حرارة الإيمان والتربية الروحية ، ماينقصه ليس العقلانية بل التصوف ، ليس بمعنى اغتيال العقل المنظم عند شيخ طريقة فمن قال لشيخه لا لم يفلح ، والمريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل ، والمريد بين الشيخين كالمرأة بين الرجلين ؟؟ لا ليس هذا ولكنه وثبة جديدة في الروح .... قد تقول من سيقوم بها ؟ كيف ؟ متى ؟ أين ؟ لسؤال أحوم حوله ولكن ليس عندي جواب على وجه الدقة عليه !! ولاحرج ... يسوع المسيح أراد أن يقول للتلاميذ في مثل الزارع الشيطان يخطف القلوب كالطير تأكل الحب ، والمحنة والاضطهاد تذهب بالإيمان السطحي ، ومن يتورط في وهم العالم وغرور الغنى سيختنق في شوك الحياة ، ومن يجد البيئة المناسبة سيعطي ثمراً رائعاً فلنتعلم من حكمة المسيح أين نلقي بذورنا ؟
( ثانياً ) يعتبر الإيمان منبعاً للطاقة لاينضب فمع كل انهيار نفسي يلجأ الانسان الى هذا الحزان الكوني المطيق يملأ طاقته ويشحذ همته لتحمل الصدمات والألم والمعاناة بما فيها صدمة الموت .
كما يشكل الإيمان ( ثالثاً ) آلية تخلع معنى على الحياة وبدون هذا يركبها العبثية التي تقود الى التفاهة والانتحار أحياناً الذي هو بتعبير مختلف تقديم الاستقالة من الحياة فليس فيها مايستحق أن يعيشها الانسان .
والإيمان ( رابعاً ) محبة ومشاركة مع الخالق العظيم وكائناته وهذا يعطي دفعاً هائلاً لتقدير الحياة والتمسك بها والمحافظة عليها والتواصل بها مع الآخرين فتوفر جواً من السعادة لاينضب . إن هذا لرزقنا ماله من نفاد ، وماعندكم ينفد وماعند الله باق .
والإيمان ( خامساً ) يوسع نافذة الرؤيا فيصبح الإيمان باليوم الاخر وملائكته مطاً للشعور الانساني أن الوجود ليس فقط مايصل اليه بحواسه ، وهذا يرفع الشعور الى مستوى القداسة ويجعلنا نفهم الحياة أنها اكبر بكثير مما يتصور الواحد ؛ فيخلع رحابة غير عادية على الوجود وراحة للروح أن هناك قوة مطلقة لانهاية لحكمتها وعدلها ورحمتها اللطيف الخبير لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .
والإيمان ( سادساً ) يزيد وينقص في مؤشر لايعرف التوقف طالما كنا نمارس الحياة وهذا يستنفرنا أن نشحذ هذه الآلية التي يمكن أن تصل الى أقصى درجات التوتر والنقاء أو أن يخالطها لبس فتخسر الأمن فتصبح الحياة معها ضنكا ( الذين آمنوا ولم يلبسوا لإيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) .
والايمان ( سابعاً ) يغير السلوك ويفيض على المشاعر فيكسو تعبيرات الوجه مسحة ملائكية نورانية ( سيماههم في وجوههم من أثر السجود ) أو بالمقابل عندما وصف الله المجرمين الذين يعرفون بسيماههم فيؤخذ أحدهم بالنواصي والأقدام ، كما وصف الأمراض النفسية أنها تنكشف من تعبيرات الوجه المحضة فتقرأ بلغة جديدة بدون صوت بلغة السيمياء ( ولو نشاء لأرينكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ) .
و( ثامناً ) يعد الالحاد حالة لاتطاق والايمان ضرورة نفسية .
و ( تاسعاً ) هناك علاقة جدلية مابين الطقوس والايمان واجتماع الناس وكل دين له طقوس تخصه فيجب أن لايعيب أحد على احد كما تذكر النكتة أن بريطاني أنكر على صيني أن يضع طعاماً على قبر ميت : هل سيقوم فيتناول هذا الطعام ؟ أجاب الصيني بابتسامة هادئة : وهل عندما تضعون أكاليل الورد والزهور يقوم الميت فينتعش بروائحها فهذه مشكلة العمى الثقافي والرؤية الانتقائية .
و ( عاشراً ) يفتح الإيمان منافذ الفهم ، والكفر يسدل الستار على الحواس ويغلق منافذ الفهم والاتصال بروح الكون وقوانين الطبيعة . من هنا استخدم القرآن لفظ الكافر بمعنى الزارع في سورة الحديد ( كثل غيث أعجب الكفَّار نباته ) وليس الكافر تحديداً كما هي في المصطلحات الشرعية .
و( أخيراً ) الإيمان أمل دائم والكفر يأس مقيم والقنوط ضلال مبين فهذه أحد عشر كوكباً من الأفكار .
قد يصلي الانسان ولايصلي والعكس صحيح فلربما كان لايؤدي حركات الصلاة وهو مستغرق بها ؟ فالإيمان ( كم ) مفصول عن الطقوس وحركات العبادة ولكن الدين استهدف ولادة الروح وتطويرها والتسامي بالانسان ، وجاء في الانجيل ذكر الأمرين : المسرة في القلوب والسلام على الأرض ، والسلام هو وسط التفاهم وتحقيق العدل الانساني ليس من خلال الحرب بل الحوار والتفاهم وإيجاد جو جديد لحل التناقضات يقوم على التنازلات من الطرفين وليس تصميم الطرفين على تحطيم كل طرف الآخر .
الإيمان حالة ديناميكية : وهذه طبيعية ومتوقعة لوضع النفس فالعقل هو مثل المحيط العميق تعمل فيه التيارات باستمرار واحياناً يغلي ويزبد وترتفع موجه الى أقصى حالات الغضب أو يهدأ فنظن أن لاعمق فيه . عقلنا تعمل فيه تيارات الأفكار بدون توقف وتفيض علينا الرؤى باستمرار ويقوم الوعي ولفترة قصيرة بتركيز الاهتمام في بؤرة بعينها وهذه هي آليات ( الوعي ـ الارادة ـ الحرية ) والإيمان له مخطط مثل حرق السكر في البدن واضطراب الشوارد وترجرج الحرارة وتباين الضغط في الجسم ؛ فهو يهتز ويتأرجح باستمرار وتكون ذرى المخطط مرتبطة بالحالة النفسية بين الاحباط والأمل بين اليأس والرجاء .
الإيمان يحقق العدل الاجتماعي : ويأتي الإيمان ليعمل في المستوى الاجتماعي بتحرير الفرد من علاقات القوة وبناء مجتمع بدون طبقات فلاسيد وخادم ولايوجد ( هيراركي ـ طبقية ) أقرب الى مجتمع النمل مع وعي انساني ، ولايوجد مستضعفون ومستكبرون ، كما لايوجد آلهة وعبيد ؛ بل مجتمع سواء لايتخذ بعضه بعضأ ارباباً من دون الله ، يلعب المال فيه دور الدم الاجتماعي ، وليس دور أن يحفظ في جيب 258 ملياردير يملكون أكثر من 2.5 مليار من البشر ، في وضع يشبه امهات الدم الخطيرة المحتقنة بالدم منذرة بالنزف الصاعق . مايريده الإيمان تحقيق العدل الاجتماعي في مجتمع السواء وبناء مجتمع انساني مفتوح لاإكراه فيه بأي صورة ؛ لإن الإيمان قناعة داخلية قبل كل شيء ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟ )
عند هذه النقطة لم أفهم تماماً على اخي الدكتور رزق فكرة إرادة الله المتجلية بقوى الوجود الرباعية ( الجاذبية وقوى النواة القوية والضعيفة والكهرطيسية ) ؟
في قناعتي أن الكون يضم المادة والقوانين وهذه ( السنن ) تتعدد في اكثر من مستوى وتمتاز بالثبات والديمومة والشمولية والنوعية ولن تجد لسنة الله تبديلا أو تحويلا ، فتحدد علاقات القوى الأربعة سواء في مستوى الذرة أو المجرة ، ولكن الروح والبيولوجيا والسسيولوجيا تضم القوى الفيزيائية وتتجاوز عتبتها لولوج عالم له قوانينه الذاتية الناظمة وتبقى إرادة الله شيء آخر غير القوى الفيزيائية والقوانين الفلكية أو البيولوجية أو الاجتماعية . أنا أرى إرادة الله شيء آخر مستقل ومتصل بالوجود .
في ربيع عام 1945 سقطت النازية ، وانتهت الحرب في الساحة الأوربية . كان بحث الحلفاء المحموم يدور حول غنائم من الحرب مختلفة : أدمغة العلماء ؟!
لعقل العربي اليوم يمشي منكوساً على رأسه ، بدون ان يحس بالدوار ، لم يتكيف بعد مع العالم الجديد ، لإنه لايعرفه ، فهو لم يشترك في صناعته منذ خمسة قرون ، فيما يشبه قصص السندباد مع ملك الجان الأزرق .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين يوليو 13, 2009 3:27 pm من طرف أيام وبنعيشها
» لاعبون قادمون .. ولاعبون ذاهبون ... واخرون اجبارى .. والسعيد اخر الصفقات
الأربعاء يونيو 10, 2009 4:06 pm من طرف أيام وبنعيشها
» احد اروع افلام الاكشن والمطاردات
الخميس أبريل 23, 2009 11:59 pm من طرف أيام وبنعيشها
» لعبة BMW M3 Challenge تحميل مباشر
الخميس أبريل 02, 2009 1:09 pm من طرف احمد
» لعبة The Thing ISO ( اكشـــــن )
الخميس أبريل 02, 2009 12:57 pm من طرف احمد
» فيلم الالغاز والدراما The Number 23 بحجم 187 ميجا
الأحد مارس 29, 2009 8:07 pm من طرف أيام وبنعيشها
» الفيلم العربى النادر اسماعيل ياسين و الفانوس السحرى و مساحه250 ميجا تحميل مباشر و من اكثر من سيرفر
الأحد مارس 29, 2009 7:48 pm من طرف أيام وبنعيشها
» صبرى رحيل صاروخ الزمالك الجديدد (خاص بالصور)
الجمعة مارس 27, 2009 9:33 pm من طرف أيام وبنعيشها
» امتع العاب 2008 Precipice of Darkness Episode One لعبة غاية فى الجمال مع الكراك ، على اكثر من سيرفر
الثلاثاء مارس 17, 2009 4:06 pm من طرف أيام وبنعيشها